فصل: (مَسْأَلَةٌ الأَصَحُّ جَوَازُ التَّكْلِيفِ) عقلا (بِالْمُحَالِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: غاية الوصول إلى شرح لب الأصول



.(مسألة فرض الكفاية):

المنقسم إليه وإلى فرض العين مطلق الفرض السابق حده (مهم يقصد) شرعا (جزما) من زيادتي (حصوله من غير نظر بالذات لفاعله) وإنما ينظر إليه بالتبع للفعل ضرورة أنه لا يحصل بدون فاعل وشمل الحد الديني كصلاة الجنازة والأمر بالمعروف والدنيوي كالحرف والصنائع، وخرج عنه السنة إذ لم يجزم بقصد حصولها، وفرض العين فإنه منظور بالذات لفاعله حيث قصد حصوله من كل عين أي واحد من المكلفين أو من عين مخصوصة كالنبي صلى الله عليه وسلّم فيما خص به. (والأصح أنه دون فرض العين) أي فرض العين أفضل منه كما نقله الشهاب ابن العماد عن الشافعي رضي الله عنه. قال ونقله عنه القاضي أبو الطيب، وذلك لشدة اعتناء الشارع به بقصد حصوله من كل مكلف في الأغلب، ويدل له تعليل الأصحاب تبعا للإمام الشافعي كراهة قطع طواف الفرض لصلاة الجنازة بأنه لا يحسن ترك فرض العين لفرض الكفاية. وقال إمام الحرمين وغيره فرض الكفاية أفضل لأنه يصان بقيام البعض به جميع المكلفين عن إثمهم المترتب على تركهم له، وفرض العين إنما يصان بالقيام به عن الإثم الفاعل فقط وترجيح الأول من زيادتي. (و) الأصح (أنه) أي فرض الكفاية (على الكل) لإثمهم بتركه كما في فرض العين، ولقوله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله} وهذا ما عليه الجمهور ونص عليه الشافعي في الأم. (ويسقط) الفرض (بفعل البعض) لأن المقصود كما مر حصول الفعل لا ابتلاء كل مكلف به ولا بعد في سقوط الفرض عن الشخص بفعل غيره كسقوط الدّين عنه بأداء غيره عنه، وقيل فرض الكفاية على البعض لا الكل ورجحه الأصل وفاقا بزعمه للإمام الرازي للاكتفاء بحصوله من البعض ولآية: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير} وأجيب عن الأول بما مر من أن المقصود حصول الفعل لا ابتلاء كل مكلف به، وعن الثاني بأنه في السقوط بفعل البعض جمعا بين الأدلة، وعلى القول الثاني فالمختار كما في الأصل البعض مبهم فمن قام به سقط الفرض بفعله، وقيل معين عند الله تعالى يسقط الفرض بفعله وبفعل غيره كسقوط الدين فيما مر، وقيل معين كذلك وهو من قام به لسقوطه بفعله ثم مداره على الظن، فعلى قول الكل من ظن أن غيره فعله أو يفعله سقط عنه، ومن لا فلا، وعلى قول البعض من ظن أن غيره لم يفعله ولا يفعله وجب عليه ومن لا فلا.
واعلم أن الكل لو فعلوه معا وقع فعل كل منهم فرضا أو مرتبا، فكذلك، وإن سقط الحرج بالأولين. نعم إن حصل المقصود بتمامه كغسل الميت لم يقع غير الأوّل فرضا. (و) الأصح (أنه) أي فرض الكفاية (لا يتعين بالشروع) فيه لأن القصد به حصوله في الجملة فلا يتعين حصوله ممن شرع فيه. (إلا جهادا وصلاة جنازة وحجا وعمرة) فتتعين بالشروع فيها لشدة شبهها بالعيني، ولما في عدم التعيين في الأول من كسر قلوب الجند، وفي الثاني من هتك حرمة الميت، وهذا تبعت فيه الغزالي وغيره، وقيل يتعين فرض الكفاية بالشروع فيه أي يصير به كفرض العين في وجوب إتمامه بجامع الفرضية، وهذا ما صححه الأصل تبعا لابن الرفعة وهو بعيد، إذ أكثر فروض الكفايات لا تتعين بالشروع فيها كالحرف والصنائع وصلاة الجماعة. (وسنتها) أي سنة الكفاية المنقسم إليها وإلى سنة العين مطلق السنة السابق حده. (كفرضها) فيما مر لكن (بإبدال جزما بضده) فيصدق ذلك بأنها مهمّ يقصد بلا جزم حصوله من غير نظر بالذات لفاعله كابتداء السلام والتسمية للأكل من جهة جماعة، وبأنها دون سنة العين، وبأنها مطلوبة من الكل، وبأنها لا تتعين بالشروع فيها أي لا تصير به كسنة العين في تأكد طلب إتمامها على الأصح في الثلاث الأخيرة.

.(مسألة: الأصح أن وقت) الصلاة (المكتوبة) كالظهر (جوازا وقت لأدائها):

ففي أي جزء منه أوقعت، فقد أوقعت في وقت أدائها الذي يسعها وغيرها، ولهذا يعرف بالواجب الموسع، وقولي جوازا راجع إلى الوقت لبيان أن الكلام في وقت الجواز لا في الزائد عليه أيضا من وقتي الضرورة والحرمة، وإن كان الفعل فيهما أداء بشرطه. وقيل وقت أدائها أول الوقت فإن أخرت عنه فقضاء وإن فعل في الوقت حتى يأثم بالتأخير عن أوله، وقيل هو آخر الوقت فإن قدمت عليه فتقديمها تعجيل، وقيل هو الجزء الذي وقعت فيه من الوقت وإن لم تقع فيه فوقت أدائها الجزء الأخير من الوقت، وقيل إن قدمت على آخر الوقت وقعت واجبة بشرط بقاء الفاعل مكلفا إلى آخر الوقت فإن لم يبق كذلك وقعت نفلًا. وهذه الأقوال الأربعة منكرة للواجب الموسع. (و) الأصح (أنه) أي الشأن (يجب على المؤخر) أي مريد التأخير عن أول الوقت الذي هو سبب الوجوب (العزم) فيه على الفعل في الوقت كما صححه النووي في مجموعه، ونقله غيره عن أصحابنا ليتميز به التأخير الجائز عن غيره وتأخير الواجب الموسع عن المندوب في جواز التأخير عن أول الوقت، وقيل لا يجب اكتفاء بالفعل، ورجحه الأصل وزعم أن الأول لا يعرف إلا عن القاضي أبي بكر الباقلاني ومن تبعه، وأنه من هفوات القاضي ومن العظائم في الدين.
فإن قلت يلزم على الأول تعدد البدل والمبدل واحد. قلنا ممنوع إذ لا يجب إعادة العزم، بل ينسحب على آخر الوقت كانسحاب النية على إزاء العبادة الطويلة كما قاله إمام الحرمين وغيره.
فإن قلت العزم لا يصلح بدلًا عن الفعل إذ بدل الشيء يقوم مقامه والعزم ليس كذلك. قلت لا يخفى أن المراد بكونه بدلًا عنه أنه بدل عن إيقاعه في أول وقته لا عن إيقاعه مطلقا والعزم قائم مقامه في ذلك.
(ومن أخر) الواجب الموسع بأن لم يشتغل به أول الوقت مثلًا (مع ظن فوته) بموت أو حيض أو نحوهما. وهذا أعم من قوله مع ظن الموت. (عصى) لظنه فوت الواجب بالتأخير (و) الأصح (أنه إن بان خلافه) بأن تبين خلاف ظنه (وفعله) في الوقت (فأداء) فعله لأنه في الوقت المقدر له شرعا وقيل فعله قضاء لأنه بعد الوقت الذي تضيق بظنه وإن بان خطؤه، ويظهر أثر الخلاف في نية الأداء أو القضاء وفي أنه لو فرض ذلك في الجمعة تصلى في الوقت على الأول وتقضى ظهرا لا جمعة على الثاني. (و) الأصح (أن من أخر) الواجب المذكور (مع ظن خلافه) أي عدم فوته فبان خلاف ظنه ومات مثلًا في الوقت قبل الفعل. (لم يعص) لأن التأخير جائز له والفوت ليس باختياره، وقيل يعصى وجواز التأخير مشروط بسلامة العاقبة، هذا إن لم يكن عزم على الفعل، وإن عصى بتركه العزم وإلا فلا يعصى قطعا قاله الآمدي. (بخلاف ما) أي الواجب الذي (وقته العمر كحج) فإن من أخره بعد أن أمكنه فعله مع ظن عدم فوته كأن ظن سلامته من الموت إلى مضيّ وقت يمكنه فعله فيه ومات قبل فعله يعصى على الأصح، وإلا لم يتحقق الوجوب، وقيل لا يعصى لجواز التأخير له وعصيانه في الحج من آخر سني الإمكان على الأصح لجواز التأخير إليها، وقيل من أولها لاستقرار الوجوب حينئذ، وقيل غير مستند إلى سنة بعينها.

.(مسألة) الفعل (المقدور) للمكلف (الذي لا يتم) أي يوجد عنده (الواجب المطلق إلا به واجب) بوجوب الواجب (في الأصح):

سببا كان أو شرطا إذ لو لم يجب لجاز ترك الواجب المتوقف عليه، وقيل لا يجب بوجوبه لأن الدال على الواجب ساكت عنه، وقيل يجب إن كان سببا كالنار للإحراق بخلاف الشرط كالوضوء للصلاة لأن السبب أشد ارتباطا بالمسبب من الشرط بالمشروط، وقيل يجب إن كان شرطا شرعيا كالوضوء للصلاة لا عقليا كترك ضد الواجب ولا عاديا كغسل جزء من الرأس بغسل الوجه ولا إن كان سببا شرعيا كصيغة الإعتاق له أو عقليا كالنظر للعلم عند الإمام وغيره أو عاديا كحز الرقبة للقتل، إذ لا وجود لمشروطه عقلًا أو عادة ولا لمسببه مطلقا بدونه، فلا يقصدهما الشارع بالطلب بخلاف الشرط الشرعي، فإنه لولا اعتبار الشرع لوجد مشروطه بدونه وخرج بالمقدور غيره كقدر الله وإرادته، إذ الإتيان بالفعل يتوقف عليهما وهما غير مقدورين للمكلف، وبالمطلق المقيد وجوبه بما يتوقف عليه كالزكاة وجوبها متوقف على ملك النصاب، فلا يجب تحصيله فالمطلق ما لا يكون مقيدا بما يتوقف عليه وجوده وإن كان مقيدا بغيره كقوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس} فإن وجوبها مقيد بالدلوك لا بالوضوء والتوجه للقبلة ونحوهما. (فلو تعذر ترك محرم إلا بترك غيره) من الجائز قيل كماء قليل وقع فيه بول. (وجب) ترك ذلك الغير لتوقف ترك المحرم الذي هو واجب عليه. (أو اشتبهت حليلة) لرجل من زوجة أو أمة فتعبيري بذلك أولى وأعم من قوله أو اختلطت منكوحة (بأجنبية) منه (حرمتا) أي حرم قربانهما عليه، أما الأجنبية فأصالة، وأما الحليلة فلأنه لا يعلم الكف عن الأجنبية إلا بالكف عنها (وكما لو طلق معينة) من زوجتيه مثلًا (ثم نسيها) فإنهما يحرمان عليه لما مرّ. وقد يظهر الحال في هذه والتي قبلها فترجع الحليلة وغير المطلقة إلى ما كانتا عليه من الحل فلم يتعذر فيهما ترك المحرم وحده فلم يشملهما ما قبلهما ولو شملهما لكان الأولى إبدال أو بكان ليكونا مثالين له.

.(مسألة مطلق الأمر):

بما بعض جزئياته مكروهة كراهة تحريم أو تنزيه (لا يتناول المكروه) منها الذي له جهة أو جهتان بينهما لزوم (في الأصح). وقيل يتناوله، وعزى للحنفية لنا لو تناوله لكان الشيء الواحد مطلوب الفعل والترك من جهة واحدة وذلك تناقض (فلا تصح الصلاة في الأوقات المكروهة) أي التي كرهت فيها صلاة النفل المطلق بشرطه كعند طلوع الشمس حتى ترتفع كرمح وعند اصفرارها حتى تغرب. (ولو) قلنا إن كراهتها فيها (كراهة تنزيه في الأصح).
كما لو قلنا إنها كراهة تحريم وهو الأصح عملا بالأصل في النهي عنها في خبر مسلم، وإنما لم تصح على واحدة منهما إذ لو صحت أي وافقت الشرع بأن تناولها الأمر بالفعل المطلق لزم التناقض فتكون على كراهة التنزيه مع جوازها فاسدة لا يتناولها الأمر فلا يثاب عليها، وقيل تكون صحيحة يتناولها الأمر فيثاب عليها، والنهي عنها راجع إلى أمر خارج عنها كموافقة عباد الشمس في سجودهم عند طلوعها وغروبها، وبهذا الموافق لما يأتي في الصلاة في الأمكنة المكروهة انفصل الحنفية أيضا في قولهم فيها بالصحة مع كراهة التحريم وهو مردود كما بينته في الحاشية ولا يشكل ما ذكر بصحة صوم نحو يوم الجمعة مع كراهته لأن النهي عنه لخارج وهو الضعف عن كثرة العبادة في يوم الجمعة وخرج بمطلق الأمر المقيد بغير المكروه فلا يتناوله جزما وبالأوقات المكروهة الأمكنة المكروهة فالصلاة فيها صحيحة والنهي عنها لخارج جزما كالتعرض بها في الحمام لوسوسة الشياطين وفي أعطان الإبل لنفارها وفي قارعة الطريق لمرور الناس وكل من هذه الأمور يشغل القلب عن الصلاة فالنهي عنها في الأمكنة ليس لنفسها ولا للازمها بخلافها في الأزمنة.
(فَإِنْ كَانَ لَهُ) أي للمكروه (جِهَتَانِ لاَ لُزُومَ بَيْنَهُمَا) كالصلاة في الأمكنة المكروهة وتقدم بيانها وكالصلاة في المغصوب فإنها صلاة وغصب أي شغل ملك الغير عدوانا وكل منهما يوجد بدون الآخر (تَنَاوَلَهُ) مطلق الأمر لانتفاء المحذور السابق (قَطْعًا فِي نَهْيِ التَنْزِيهِ) كما في المثال الأول (وَعَلَى الأَصَحِّ فِي) نهي (التَحْرِيمِ) كما في الثاني وقيل لا يتناوله في نهي التحريم نظرا لجهة التحريم.
(فَالأَصَحُّ صِحَّةُ الصَّلاَةِ فِي مَغْصُوبٍ) فرضا كانت أو نفلا نظرا لجهة الصلاة المأمور بها وقيل لا تصح نظرا لجهة الغصب المنهي عنه وعليه فقيل يسقط طلبها عندها لا بها وقيل لا يسقط (وَ) الأصح (أنَّهُ) أي فاعلها على القول بصحتها (لاَ يُثَابُ) عليها عقوبة له عليها من جهة الغصب وقيل يثاب عليها من جهة الصلاة وإن عوقب من جهة الغصب فقد يعاقب بغير حرمان الثواب أو بحرمان بعضه.
(و) الأصح (أَنَّ الْخَارِجَ مِنْ) محل (مَغْصُوبٍ تَائِبًا) أي نادما على الدخول فيه عازما على أن لا يعود إليه (آتٍ بِوَاجِبٍ) لتحقق التوبة الواجبة بخروجه تائبا وقال أبو هاشم من المعتزلة هو آت بحرام لأن ذلك شغل ملك غيره بغير إذنه كالماكث وقال إمام الحرمين مرتبك أي مشتبك في المعصية مع انقطاع تكليف النهي عنه من إلزام كفه عن الشغل بخروجه تائبا فهو عاص بخروجه بسبب دخوله أولا أما الخارج غير تائب فعاص جزما كالماكث.
(وَ) الأصح (أَنَّ السَّاقِطَ) باختياره أو بدونه (عَلَى نَحْوِ جَرِيحٍ) بين جرحى (يَقْتُلُهُ) إن استمر عليه (أَوْ) يقتل (كُفْؤَهُ) في صفات القود إن لم يستمر عليه لعدم محل يعتمد عليه إلا بدن كفؤ (يَسْتَمِرُّ) عليه ولا ينتقل إلى كفئه لأن الضرر لا يزال بالضرر ولأن الانتقال استئناف فعل باختياره بخلاف المكث نعم لو كان أحدهما نبيا اعتبر جانبه وكذا لو كان وليا أو إماما عادلا كما قاله ابن عبد السلام في نظيره من المضطرين وقيل يتخير بين الاستمرار عليه والانتقال إلى كفئه لتساويهما في الضرر وقيل لا حكم فيه من إذن أو منع لأن الإذن له في الأمرين أو أحدهما يؤدي إلى القتل المحرم والمنع منهما لا قدرة على امتثاله وتوقف الغزالي فقال يحتمل كل من المقالات الثلاث وخرج بالكفء غيره ككافر ولو معصوما فيجب الانتقال عن المسلم إليه لأن قتله لا مفسدة فيه أو مفسدته أخف والترجيح مع ذكر نحو من زيادتي.

.(مَسْأَلَةٌ الأَصَحُّ جَوَازُ التَّكْلِيفِ) عقلا (بِالْمُحَالِ):

أي الممتنع بمعنى جواز تعلق الطلب النفسي بإيجاده (مُطْلَقًا) أي سواء أكان محالا لذاته أي ممتنعا عادة وعقلا كالجمع بين السواد والبياض أم لغيره أي ممتنعا عادة لا عقلا كالمشي من الزمن قال جمع أو عقلا لا عادة كإيمان من علم الله أنه لا يؤمن وقال المحققون يمتنع كون الشيء ممتنعا عقلا ممكنا عادة ولهذا قال السعد التفتازاني كل ممكن عادة ممكن عقلا ولا ينعكس فالتكليف بإيمان من علم الله أنه لا يؤمن كما يأتي تكليف بالممكن لا بالمحال عند المحققين وقد بسطت الكلام على ذلك في الحاشية مع بيان أن الخلف لفظي ومنع جمع منهم أكثر المعتزلة التكليف بالمحال الذي لغير تعلق العلم بعدم وقوعه دون المحال الذي لتعلق العلم بذلك إذ لا فائدة في طلب الأول من المكلفين لظهور امتناعه لهم وأجيب بأن فائدته اختبارهم هل يأخذون في المقدمات فيترتب عليها الثواب أو لا فالعقاب وأيضا توجيه الخطاب فيه ليس طلبا في الحقيقة بل علامة على شقاوته وتعذيبه وفي الجواب الأول كلام ذكرته في الحاشية ومنع معتزلة بغداد التكليف بالمحال لذاته دون المحال لغيره.
(وَ) الأصح (وُقُوعُهُ) أي التكليف (بِالْمُحَالِ لِتَعَلُّقِ عِلْمِ الله) تعالى (بِعَدَمِ وُقُوعِهِ فَقَطْ) أي دون المحال لذاته والمحال لغيره عادة لا عقلا قال تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} وهذان ليسا في وسع المكلفين بخلاف الأول وهذا قول الجمهور ورجحه الأصل في شرح المنهاج فعلم أن التكليف بالمحال لتعلق علم الله بعدم وقوعه جائز وواقع اتفاقا وقيل يقع بالمحال لغيره لا لذاته ورجحه الأصل هنا وقيل يقع بالمحال مطلقا وخرج بالتكليف بالمحال التكليف المحال فلا يجوز والفرق بينهما أن الخلل في الأول يرجع إلى المأمور به وفي الثاني إلى المأمور كتكليف ميت وجماد.
(وَ) الأصح (جَوَازُهُ) أي التكليف (بِمَا لَمْ يَحْصُلْ شَرْطُهُ الشَّرْعِيُّ) فيجوز التكليف بالمشروط حال عدم الشرط (كَالْكَافِرِ) يجوز تكليفه (بِالْفُرُوعِ) مع انتفاء شرطها في الجملة من الإيمان المتوقف عليه النية إذ لو توقف على حصول شرط ما كلف به لم تجب صلاة قبل الظهر والنية لانتفاء شرطها واللازم باطل بالضرورة وقيل لا يجوز إذ لا يمكن امتثاله لو وقع وأجيب بإمكان امتثاله بأن يأتي بالمشروط بعد الشرط (وَ) الأصح (وُقُوعُهُ) فيعاقب على ترك امتثاله وإن سقط عن الكافر الأصلي بإيمانه ترغيبا فيه قال تعالى: {يتساءلون عن المجرمين} الآية وقال: {وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة} وقال: {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر} الآية وتفسير الصلاة في الآية الأولى بالإيمان والزكاة في الثانية بكلمة التوحيد وكذلك في الثالثة بالشرك فقط كما قيل بعيد وقيل ليس بواقع إذ المأمورات مما كلف به الكافر مثلا لا يمكن مع الكفر فعلها ولا يؤمر بعد الإيمان بقضائها والمنهيات محمولة عليها حذرا من تبعيض التكليف وقيل واقع في المنهيات فقط لإمكان امتثالها مع الكفر لعدم توقفها على نية بخلاف المأمورات وقيل واقع في المرتد دون غيره من الكفار استمرارا لما كان والمراد بالشرط ما لابد منه فيشمل السبب وخرج بالشرعي اللغوي كإن دخلت المسجد فصل ركعتين والعقلي كالحياة للعلم والعادي كغسل جزء من الرأس لغسل الوجه والمراد بالتكليف ما يشمل خطاب الوضع مطلقا وللسبكي فيه تفصيل رده الزركشي كما بينته في الحاشية.

.(مَسْأَلَةٌ لاَ تَكْلِيفَ) صحيح (إِلاَّ بِفِعْلٍ):

أما الأمر فظاهر لأنه طلب فعل وأما النهي (فَالْمُكَلَّفُ بِهِ فِي النَّهْيِ الْكَفُّ) الذي هو فعل النفس (أَي الانْتِهَاءُ) عن المنهي عنه وإن لم يقصد امتثالا (فِي الأَصَحِّ) وذلك فعل يحصل بفعل ضد المنهي عنه وقيل المكلف به في النهي فعل ضد المنهي عنه وقيل هو انتفاء المنهي عنه وهو مقدور للمكلف بأن لا يشاء فعله فإذا قيل لا تتحرك فالمطلوب منه على الأول الانتهاء عن التحرك الحاصل بفعل ضده من السكون وعلى الثاني فعل ضده وعلى الثالث انتفاؤه بأن يستمر عدمه من السكون وقيل يشترط في الإتيان بذلك قصده امتثالا حتى يترتب العقاب إن لم يقصده قلنا ممنوع وإنما يشترط لحصول الثواب لخبر: «إنما الأعمال بالنيات».
(وَالأَصَحُّ أَنَّ التَّكْلِيفَ) الشامل للأمر والنهى فهو أعم من قوله والأمر (يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ قَبْلَ الْمُبَاشَرَةِ) له (بَعْد َدُخُولِ وَقْتِهِ إِلْزَامًا وَقَبْلَهُ إِعْلاَمًا) والمراد بالتعلق الإلزامي الامتثال وبالإعلامي اعتقاد وجوب إيجاد الفعل ولا يحصل الامتثال إلا بكل من الاعتقاد والإيجاد وقيل لا يتعلق به إلا عند المباشرة وقول الأصل إنه التحقيق إذ لا قدرة عليه إلا حينئذ مردود كما بينته في الحاشية (وَ) الأصح (أَنَّهُ) أي تعلقه الإلزامي به (يَسْتَمِرُّ حَالَ الْمُبَاشَرَةِ) له وقيل ينقطع حالها وإلا يلزم طلب تحصيل الحاصل قلنا الفعل كالصلاة إنما يحصل بالفراغ منه لانتفائه بانتفاء جزء منه.

.(مَسْأَلَةٌ الأَصَحُّ أَنَّ التَّكْلِيفَ) بشيء (يَصِحُّ مَعَ عِلْمِ الآمِرِ فَقَطْ انْتِفَاءَ شَرْط وُقُوعِهِ) أي وقوع المأمور به (عِنْدَ وَقْتِهِ):

إذ لا مانع (كَأَمْرِ رَجُلٍ بِصَوْمِ يَوْمٍ عُلِمَ مَوْتُهُ قَبْلَهُ) للآمر فإنه علم من ذلك انتفاء شرط وقوع الصوم المأمور به من الحياة والتمييز عند وقته وقيل لا يصح التكليف مع ما ذكر لانتفاء فائدته من الطاعة أو العصيان بالفعل أو الترك وخرج بعلم الآمر جهله ولو مع علم المأمور انتفاء الشرط بأن كان الآمر غير الشارع كأمر السيد عبده بخياطة ثوب غدا وبفقط علم الآمر والمأمور بذلك فيصح التكليف في الأول بصورتيه اتفاقا ويمتنع في الثاني اتفاقا لانتفاء فائدته الموجودة حال الجهل بالعزم وشذ بعضهم فقال بصحته فيه لوجود فائدته بالعزم بتقدير وجود الشرط وتبعه الأصل عليه وصححه ورد توجيهه بأنه لا يتحقق العزم على ما لا يوجد شرطه بتقدير وجوده (وَ) الأصح (أَنَّهُ) أي التكليف (يَعْلَمُهُ الْمَأْمُورُ أَثَرَ) بفتح أوله وثانيه وبكسر أوله وإسكان ثانيه أي عقب (الأَمْرِ) المسموع له الدال على التكليف من غير توقف على زمن يمكن فيه الامتثال وقيل لا يعلمه حينئذ لأنه قد لا يتمكن من فعله لموت قبل وقته أو عجز عنه وأجيب بأن الأصل عدم ذلك وبتقدير وجوده ينقطع تعلق الأمر الدال على التكليف كالوكيل في البيع غدا إذا مات أو عزل قبل الغد ينقطع التوكيل وكالآمر والمأمور فيما ذكر الناهي والمنهي.

.(خَاتِمَةٌ الْحُكْمُ قَدْ يَتَعَلَّقُ عَلَى التَّرْتِيبِ أَو) على (الْبَدَلِ فَيَحْرُمُ الْجَمْعُ):

كأكل المذكى والميتة في الأول فإن كلا منهما يجوز أكله لكن جواز أكل الميتة عند العجز عن غيرها فيحرم الجمع بينهما لحرمة الميتة حيث قدر على غيرها الذي من جملته المذكى وكتزويج المرأة من كفؤين في الثاني فإن كلا منهما يجوز التزويج منه بدلا عن الآخر أي إن لم تزوج من الآخر ويحرم الجمع بينهما بأن تزوج منهما (أَوْ يُبَاحُ) الجمع كالوضوء والتيمم في الأول فإن التيمم إنما يجوز عند العجز عن الوضوء وقد يباح الجمع بينهما كأن تيمم لخوف بطء برء من عم عذره محل الوضوء ثم توضأ متحملا مشقة بطء البرء وإن بطل بوضوئه تيممه وكستر العورة بثوبين في الثاني فإن كلا منهما يجب الستر به بدلا عن الآخر ويباح الجمع بينهما (أوْ يُسَنُّ) الجمع كخصال كفارة الوقاع في الأول فإن كلا منها واجب لكن وجوب الإطعام عند العجز عن الصيام ووجوب الصيام عند العجز عن الإعتاق ويسن الجمع بينهما فينوي بكل الكفارة وإن سقطت ظاهرا بالأولى كما قيل ينوي بالصلاة المعادة الفرض وإن سقط بالفعل أولا وكخصال كفارة اليمين في الثاني فإن كلا منهما واجب بدلا عن غيره أي إن لم يفعل غيره منها نظرا إلى الظاهر وإن كان التحقيق ما مر من أن الواجب القدر المشترك بينها في ضمن أي معين منها ويسن الجمع بينها.

.(الكتاب الأول) من الكتب السبعة (في الكتاب ومباحث الأقوال):

المشتمل عليها من الأمر والنهي والعام والخاص والمطلق والمقيد ونحوها.
(ومنه) أي القرآن (البسملة أول كل سورة في الأصح) لأنها مكتوبة كذلك بخط السور في مصاحف الصحابة مع مبالغتهم في أن لا يكتب فيها ما ليس منه، وقيل ليست منه مطلقا عند غيرنا وفي غير الفاتحة عندنا، وإنما هي في الفاتحة لابتداء الكتاب على عادة الله تعالى في كتبه، وفي غيرها للفصل بين السور وهي منه في أثناء سورة النمل إجماعا. (غير) أول سورة (براءة) أما أولها فليست البسملة من القرآن فيه جزما لنزولها بالقتال الذي لا تناسبه البسملة المناسبة للرحمة والرفق، وحيث قلنا إنها أول السور من القرآن فهي على الصحيح قرآن حكما لا قطعا بمعنى أن السورة لا تتم إلا بقراءتها أوّلها حتى لا تصح الصلاة بتركها أول الفاتحة، وإنما لم نكفر جاحدها للخلاف فيها. (لا الشاذ) وهو ما نقل قرآنا آحادا ولم يصل إلى رتبة القراءة الصحيحة الآتي بيانها كأيمانهما في قراءة والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما، فإنه ليس من القرآن. (في الأصح) لأنه لم يتواتر ولا هو في معنى المتواتر، وقيل إنه منه حملًا على أنه كان متواترا في العصر الأول لعدالة ناقله.
(و) القراءات (السبع) المروية عن القراء السبعة أبي عمرو ونافع وابني كثير وعامر وعاصم وحمزة والكسائي (متواترة) من النبي إلينا نقلها عنه جمع يمتنع عادة تواطؤهم على الكذب لمثلهم وهلم، والمراد كما قال الإمامان أبو شامة وابن الجزري التواتر فيما اتفقت الطرق على نقله عن السبعة دون ما اختلفت فيه بمعنى أنه نفيت نسبته إليهم في بعض الطرق (ولو فيما هو من قبيل الأداء) بأن كان هيئة للفظ يتحقق بدونها (كالمد) الزائد على المدّ الطبيعي المعروف أنواعه في محله، وكالإمالة محضة كانت أو بين بين وكتخفيف الهمزة بنقل أو إبدال أو تسهيل أو إسقاط وكالمشدّد في نحو: {إياك نعبد} بزيادة على أقل التشديد من مبالغة أو توسط خلافا لابن الحاجب في إنكاره تواتر ما هو من قبيل الأداء، فقد قال عمدة القراء والمحدثين الشمس ابن الجزري لا نعلم أحدا تقدم ابن الحاجب في ذلك. قال وقد نص أئمة الأصول على تواتر ذلك كله، وكلام الأصل يميل إليه لكنه وافق في منع الموانع ابن الحاجب على عدم تواتر المدّ أي مطلقه، وتردد في تواتر الإمالة وجزم بتواتر تخفيف الهمزة واستظهره في غير ذلك مما هو من قبيل الأداء أيضا كالمشدد في نحو: {إياك نعبد} بما مرّ.
(وتحرم القراءة بالشاذ) في الصلاة وخارجها لأنه ليس بقرآن على الأصح كما مرّ، وتبطل الصلاة به إن غير معنى أو زاد حرفا أو نقصه وكان عامدا عالما بالتحريم، كما قاله النووي. (والأصح) وفاقا للقراء وجماعة من الفقهاء ومنهم البغوي (أنه) أي الشاذ (ما وراء العشر) أي السبع السابقة وقراءات يعقوب وأبي جعفر وخلف، وقيل ما وراء السبع وهو ما عليه الأصوليون وجماعة من الفقهاء، ومنهم النووي فالثلاثة الزائدة على هذا تحرم القراءة بها، وعلى الأوّل هي كالسبع يجوز القراءة بها لصدق تعريف القراءة الصحيحة الآتي عليها، ولأنها متواترة على ما قاله في منع الموانع ووافقه تلميذه الإمام ابن الجزري في موضع، وقال في آخر المقروء به عن القراء العشرة قسمان متواتر وصحيح مستفيض متلقى بالقبول، والقطع حاصل بهما إذ العدل الضابط إذا انفرد بشيء تحتمله العربية والرسم واستفاض وتلقى بالقبول قطع به وحصل به العلم، وعلى هذا فالقراءة متواترة وصحيحة وشاذة، وقد بينها ابن الجزري بأبسط مما مرّ فقال فالمتواترة ما وافقت العربية ورسم أحد المصاحف العثمانية ولو تقديرا وتواتر نقلها، ومعنى ولو تقديرا ما يحتمله الرسم كمالك يوم الدين فإنه رسم بلا ألف في جميع المصاحف فيحتمل حذف ألفه اختصارا كما فعل في مثله من اسم الفاعل كقادم وصالح، فهو موافق للرسم تقديرا، والصحيحة ما صح سنده بنقل عدل ضابط عن مثله إلى منتهاه، ووافق العربية والرسم واستفاض نقله وتلقته الأئمة بالقبول وإن لم يتواتر، فهذه كالمتواترة في جواز القراءة والصلاة بها والقطع بأن المقروء بها قرآن، وإن لم يبلغ مبلغها والشاذة ما وراء العشرة وهو ما نقل قرآنا ولم تتلقه الأئمة بالقبول ولم يستفض أو لم يوافق الرسم، فهذا لا تجوز القراءة ولا الصلاة به، وإن صحّ سنده عن أبي الدرداء وابن مسعود وغيرهما، وقراءة بعض الصحابة بها فيما صحّ سنده كانت قبل إجماع من يعتدّ به على المنع من القراءة بالشاذ مطلقا انتهى ملخصا وعليه فظاهر أن مراده بالصحيحة قراءة الثلاثة الزائدة على السبع.
(و) الأصح (أنه) أي الشاذ (يجري مجرى) الأخبار (الآحاد) في الاحتجاج، لأنه منقول عن النبيّ ولا يلزم من انتفاء خصوص قرآنيته انتفاء عموم خبريته، وقيل لا يحتج به لأنه إنما نقل قرآنا ولم تثبت قرآنيته، وعلى الأول احتجاج كثير من أئمتنا على قطع يمين السارق بقراءة أيمانهما، وإنما لم يوجبوا التتابع في صوم كفارة اليمين بقراءة متتابعات لما صحح الدارقطني إسناده عن عائشة رضي الله عنها نزلت: {فصيام ثلاثة أيام} متتابعات فسقطت متتابعات أي نسخت تلاوة وحكما، ولأن الشاذ إنما يحتج به إذا ورد لبيان حكم كما في أيمانهما بخلاف ما إذا ورد لابتداء الحكم لا يحتج به كما في متتابعات على أنه قيل إنها لم تثبت عن ابن مسعود. (و) الأصح (أنه لا يجوز ورود ما) أي لفظ (لا معنى له في الكتاب والسنة) لأنه كالهذيان فلا يليق بعاقل فكيف بالله وبرسوله، وقالت الحشوية يجوز وروده في الكتاب لوجوده فيه كالحروف المقطعة أوائل السور كطه ونون، وفي السنة بالقياس على الكتاب. وأجيب بأن الحروف المذكورة لها معان. منها أنها أسماء للسور والأكثرون على جواز أن يقال في الكتاب والسنة زائد كفوق في قوله تعالى: {فإن كنّ نساء فوق اثنتين} وقوله: {فاضربوا فوق الأعناق} بناء على تفسير الزائد بما لا يختلّ الكلام بدونه لا بما لا معنى له أصلًا. (و) الأصح أنه (لا) يجوز أن يرد فيهما (ما يعني به غير ظاهره) أي معناه الخفي لأنه بالنسبة إليه كالمهمل (إلا بدليل) يبين المراد منه كما في العام المخصوص، وقالت المرجئة يجوز وروده فيهما من غير دليل حيث قالوا المراد بالآيات والأخبار الظاهرة في عقاب عصاة المؤمنين الترهيب فقط بناء على معتقدهم أن المعصية لا تضرّ مع الإيمان كما أن الكفر لا تنفع معه طاعة (و) الأصح (أنه لا يبقى) فيهما (مجمل كلف بالعمل به) بناء على الأصح الآتي من وقوعه فيهما (غير مبين) أي باقيا على إجماله بأن لم يتضح المراد منه إلى وفاته صلى الله عليه وسلّم للحاجة إلى بيانه حذرا من التكليف بما لا يطاق، بخلاف غير المكلف بالعمل به، وقيل لا يبقى كذلك مطلقا لأن الله أكمل الدين قبل وفاته لقوله: {اليوم أكملت لكم دينكم} وقيل يبقى كذلك مطلقا قال تعالى في متشابه الكتاب: {وما يعلم تأويله إلا الله} إذ الوقف هنا كما عليه جمهور العلماء، وإذا ثبت في الكتاب ثبت في السنة إذ لا قائل بالفرق. (و) الأصح (أن الأدلة النقلية قد تفيد اليقين بانضمام غيرها) من تواتر ومشاهدة كما في أدلة وجوب الصلاة، فإن الصحابة علموا معانيها المرادة بالقرائن المشاهدة، ونحن علمناها بواسطة نقل القرائن إلينا تواترا، وقيل تفيده مطلقا وعزي للحشوية، وقيل لا تفيده مطلقا لانتفاء العلم بالمراد منها قلنا يعلم بما ذكر آنفا.

.المنطوق والمفهوم:

أي هذا مبحثهما. (المنطوق ما) أي معنى (دلّ عليه اللفظ في محل النطق) حكما كان كتحريم التأفيف للوالدين بقوله تعالى: {فلا تقل لهما أفّ} أو حكم كزيد في نحو جاء زيد بخلاف المفهوم فإن دلالة اللفظ عليه في محل السكوت لا في محل النطق كما سيأتي. (وهو) أي اللفظ الدال في محل النطق (إن أفاد ما) أي معنى (لا يحتمل) أي اللفظ (غيره) أي غير ذلك المعنى (كزيد) في نحو جاء زيد فإنه مفيد للذات المشخصة من غير احتمال لغيرها. (فنص) أي يسمى به (أو) أفاد (ما يحتمل بدله) معنى (مرجوحا كالأسد) في نحو رأيت اليوم الأسد، فإنه مفيد للحيوان المفترس محتمل للرجل الشجاع وهو معنى مرجوح لأنه معنى مجازى والأول حقيقي. (فظاهر) أي يسمى به أما المحتمل لمعنى مساوٍ للآخر كالجون في نحو ثوب زيد جون فإنه محتمل لمعنييه أي الأسود والأبيض على السواء فيسمى مجملًا وسيأتي.
واعلم أن النص يقال لما لا يحتمل تأويلًا كما هنا ولما يحتمله احتمالًا مرجوحا وهو بمعنى الظاهر، ولما دلّ على معنى كيف كان، ولدليل من كتاب أو سنة كما سيأتي في القياس. (ثم) اللفظ ينقسم باعتبار آخر إلى مركب ومفرد لأنه (إن دلّ جزؤه) الذي به تركيبه (على جزء معناه فمركب) تركيبا إسناديا كزيد قائم، أو إضافيا كغلام زيد، أو تقييديا كالحيوان الناطق. (وإلا) أي وإن لم يدل جزؤه على جزء معناه بأن لا يكون له جزء كهمزة الاستفهام أو يكون له جزء غير دال على معنى كزيد أو دال على معنى غير جزء معناه كعبد الله علما. (فمفرد) وقدم على تعريفه تعريف المركب لأن التقابل بينهما تقابل العدم والملكة والإعدام إنما تعرف بملكاتها. (ودلالته) أي اللفظ (على معناه مطابقة) وتسمى دلالة مطابقة لمطابقة أي موافقة الدال للمدلول. (وعلى جزئه) أي جزء معناه (تضمن) وتسمى دلالة تضمن لتضمن المعنى لجزئه المدلول. (و) على (لازمه) أي لازم معناه (الذهني) سواء ألزمه في الخارج أيضا أم لا (التزام) وتسمى دلالة التزام لالتزام المعنى أي استلزامه للمدلول كدلالة الإنسان على الحيوان الناطق في الأول، وعلى الحيوان أو الناطق في الثاني، وعلى قابل العلم في الثالث اللازم خارجا أيضا، وكدلالة العمى أي عدم البصر عما من شأنه البصر على البصر اللازم للعمى ذهنا المنافي له خارجا لوجود كل منهما فيه بدون الآخر، ودلالة العام على بعض أفراده كجاء عبيدي مطابقة لأنه في قوّة قضايا بعدد أفراده، كما سيأتي ذلك في مبحث العلم فسقط ما قيل إنها خارجة عن الدلالات الثلاث، وقد أوضحت ذلك في شرح إيساغوجي، والدلالة كون الشيء بحالة يلزم من العلم به العلم بآخر وخرج بإضافتها للفظ الدلالة الفعلية كدلالة الخط والإشارة بزيادتي الوضعية دلالة اللفظ العقلية غير الالتزامية كدلالته على حياة لافظه والطبيعية كدلالة الأنين على الوجع.
(والأوليان) أي دلالتا المطابقة والتضمن (لفظيتان) لأنهما بمحض اللفظ ولا تغاير بينهما بالذات بل بالاعتبار، إذ الفهم فيهما واحد إن اعتبر بالنسبة إلى مجموع جزأي المركب سميت الدلالة مطابقة أو إلى كل جزء من الجزأين سميت تضمنا. (والأخيرة) أي دلالة الالتزام (عقلية) لتوقفها على انتقال الذهن من المعنى إلى لازمه وفارقت التضمينية بما مر، وبأن المدلول في التضمني داخل فيما وضع له اللفظ بخلافه في الالتزامية، وهذا ما عليه الآمدي وابن الحاجب وغيرهما من المحققين، وجرى عليه شيخنا الكمال ابن الهمام، والأصل تبع صاحب المحصول وغيره في أن المطابقة لفظية والأخريان عقليتان وتبعتهم في شرح إيساغوجي، وما هنا أقعدوا أكثر المناطقة على أن الثلاث لفظيات (ثم هي) أي الأخيرة (إن توقف صدق المنطوق أو صحته) عقلًا أو شرعًا (على إضمار) أي تقدير فيما دل عليه، (فدلالة اقتضاء) أي فدلالة اللفظ الالتزامية على معنى المضمر المقصود تسمى دلالة اقتضاء في الأحوال الثلاثة، فالأول كما في الحديث الآتي في مبحث المجمل: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان» أي المؤاخذة بهما لتوقف صدقه على ذلك لوقوعهما والثاني كما في قوله تعالى: {واسأل القرية} أي أهلها إذ القرية وهي الأبنية المجتمعة لا يصح سؤالها عقلًا، والثالث كما في قولك لمالك عبد أعتق عبدك عني، ففعل فإنه يصح عنك بتقدير ملكه لي فأعتقه عني لتوقف صحة العتق شرعا على الملك. (وإلا) أي وإن لم يتوقف صدق المنطوق ولا الصحة له على إضمار، (فإن دل) اللفظ المفيد له (على ما لم يقصد) به (فدلاله إشارة) أي فدلالة اللفظ على ما لم يقصد به تسمى دلالة إشارة كدلالة قوله تعالى: {أحلَّ لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} على صحة صوم من أصبح جنبا للزومها للمقصود به من جواز جماعهنَّ بالليل الصادق بآخر جزء منه.
(وإلا) بأن دلّ اللفظ على ما قصد به ولم يتوقف على إضمار (فدلالة إيماء) أي فدلالة اللفظ على ذلك تسمى دلالة إيماء وتسمى تنبيها، وسيأتي بيانه مع مثاله في القياس في الملك الثالث من مسالك العلة وذكره هنا من زيادتي وعلم من تعبيري بهي دون تعبيره بالمنطوق أن هذه الدلالات الثلاث من قسم دلالة الالتزام، إذ المنطوق ينقسم إلى صريح وغيره فالصريح دلالتا المطابقة والتضمن وغيره دلالة الالتزام وهي تنقسم إلى الدلالات الثلاث.
فإن قلت دلالة الإنسان على قابل العلم مثلًا من أي الدلالات؟ قلت من دلالة الإشارة فيما يظهر.
(والمفهوم ما) أي معنى (دل عليه اللفظ لا في محل النطق) من حكم ومحله معا كتحريم كذا كما سيأتي (فإن وافق) المفهوم (المنطوق) به (فموافقة) ويسمى مفهوم موافقة (ولو) كان (مساويا) للمنطوق (في الأصح ثم) هو (فحوى الخطاب) أي يسمى به (إن كان أولى) من المنطوق (ولحنه) أي لحن الخطاب (إن كان مساويا) للمنطوق والمفهوم الأولى كتحريم ضرب الوالدين الدال عليه نظرا للمعنى قوله تعالى: {فلا تقل لهما أف} فهو أولى من تحريم التأفيف المنطوق لكونه أشد منه في الإيذاء والمساوي كتحريم إحراق مال اليتيم الدال عليه نظرا لمعنى آية: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما} فهو مساوٍ لتحريم الأكل لمساواة الإحراق للأكل في الإتلاف، وقيل لا يسمى المساوي بالموافقة وإن كان مثل الأولى في الاحتجاج به، وعليه فمفهوم الموافق هو الأولى ويسمى الأولى بفحوى الخطاب وبلحن الخطاب، وفحوى الكلام ما يفهم منه قطعا ولحنه معناه، ومما يطلق فيه المفهوم على محل الحكم كالمنطوق قولهم المفهوم، إما أولى من المنطوق بالحكم أو مساوٍ له فيه ومن المعنى المعلوم به موافقة المسكوت للمنطوق نشأ خلاف في أن الدلالة على الموافقة مفهومية أو قياسية أو لفظية وقد بينتها بقولي (فالدلالة) على الموافقة (مفهومية) أي بطريق الفهم من اللفظ لا في محل النطق، (على الأصح) والتصريح بهذا القول من زيادتي، وقيل قياسية أي بطريق القياس الأولى أو المساوي المسمى ذلك بالقياس الجلي كما سيأتي لصدق تعريف القياس عليه، والعلة في المثال الأول الإيذاء، وفي الثاني الإتلاف، وقيل الدلالة عليه لفظية لفهمه من اللفظ من غير اعتبار قياس، لكن لا بمجرد اللفظ بل مع السياق والقرائن فتكون الدلالة عليه مجازية من إطلاق الأخص على الأعم، فالمراد من منع التأفيف منع إيذاء ومن منع أكل مال اليتيم منع إتلافه، وقيل لفظية لكن ينقل اللفظ عرفا إلى الأعم، فتكون الدلالة عليه حقيقة عرفية، وعلى هذين القولين تحريم ضرب الوالدين وتحريم إحراق مال اليتيم من المنطوق، وإن كانا بقرينة على الأول منهما. (وإن خالفه) أي المفهوم أي المنطوق به (فمخالفة) ويسمى مفهوم مخالفة ودليل خطاب قيل ولحن خطاب. (وشرطه) أي مفهوم المخالفة ليتحقق (أن لا يظهر لتخصيص المنطوق بالذكر فائدة غير نفي حكم غيره) أي حكم السكوت. (كأم خرج) المذكور (للغالب في الأصح) كما في قوله تعالى: {وربائبكم اللاتي في حجوركم} إذ الغالب كون الربائب في حجور الأزواج أي تربيتهم، وقيل لا يشترط انتفاء موافقة الغالب لأن المفهوم من مقتضيات اللفظ فلا يسقطه موافقة الغالب وهو مندفع بما يأتي. (أو لخوف تهمة) من ذكر المسكوت كقول قريب عهد بالإسلام لعبده بحضور المسلمين تصدق بهذا على المسلمين، ويريد وغيرهم وتركه خوفا من تهمته بالنفاق. (أو لموافقة الواقع)، كما في قوله تعالى؛ {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين} نزل في قوم من المؤمنين والو اليهود دون المؤمنين. (أو) لجواب (سؤال) عن المذكور. (أو لـ)ـبيان حكم (حادثة) تتعلق به، (أو لجهل بحكمه) دون حكم المسكوت، (أو عكسه) أي أو لجهل بحكم المسكوت دون حكم المنطوق، وذلك كما لو سئل رسول الله صلى الله عليه وسلّم هل في النعم السائمة زكاة، أو قبل بحضرته لفلان غنم سائمة أو خاطب من جهل حكم الغنم السائمة دون المعلوفة، أو كان هو عالما بحكم السائمة دون المعلوفة، فقال: «في الغنم السائمة زكاة». وإنما لم يجعلوا جواب المسئول والحادثة صارفين للعام عن عمومه كنظيره هنا لقوة اللفظ فيه بالنسبة إلى مفهوم المخالفة حتى عزى إلى الشافعي والحنفية أن دلالة العام على كل فرد من أفراده قطعية، وإنما اشترطوا للمفهوم انتفاء المذكورات لأنها فوائد ظاهرة وهو فائدة خفية فأخر عنها، وبذلك اندفع توجيه الوجه السابق والمقصود مما مر أنه لا مفهوم للمذكور في الأمثلة المذكورة ونحوها، ويعلم حكم المسكوت فيها من خارج بالمخالفة كما في الغنم المعلوفة لما سيأتي، أو بالموافقة كما في آية الربيبة للمعنى، وهو أن الربيبة حرمت لئلا يقع بينها وبين أمها التباغض لو أبيحت نظرا للعادة في مثل ذلك، سواء أكانت في حجر الزوج أم لا وتقدّم خلاف في أن الدلالة في مفهوم الموافقة على حكم المسكوت قياسية أو لا. وقد حكيته هنا مع ما يترتب عليه بقولي (ولا يمنع) ما يقتضي تخصيص المذكور بالذكر (قياس المسكوت بالمنطوق)، بأن كان بينهما علة جامعة لعدم معارضته له، (فلا يعمه) أي المسكوت المشتمل على العلة (لمعروض) للمذكور من صفة أو غيرها لوجود العارض، وإنما يلحق به قياسا. (وقيل يعمه) إذ عارضه بالنسبة إلى المسكوت كأنه لم يذكر فيمتنع القياس، وإنما عبرت كالأصل بالمعروض أي اللفظ دون الموصوف لئلا يتوهم، كما قال في منع المانع اختصاص ذلك بمفهوم الصفة وليس كذلك. (وهو) أي مفهوم المخالفة بمعنى محل الحكم (صفة) أي مفهوم صفة والمراد بها لفظ مقيد لآخر وليس بشرط ولا استثناء ولا غاية لا النعت فقط (كالغنم السائمة وسائمة الغنم) أي الصفة كالسائمة في الأوّل من في الغنم السائمة زكاة، وفي الثاني من في سائمة الغنم زكاة قدم من تأخير وكل منهما يروى حديثا. (وكالسائمة) من في السائمة زكاة (في الأصح) المعز، وللجمهور لدلالته على السوم الزائد على الذات بخلاف اللقب، وقيل ليس من الصفة، ورجحه الأصل لاختلال الكلام بدونه كاللقب ودفع بما مرّ آنفا. (والمنفي) عن محلية الزكاة (في) المثالين (الأولين معلوفة الغنم على المختار) فيهما، وهو ما رجحه الإمام الرازي وغيره.
(وفي) المثال (الثالث معلوفة النعم) من إبل وبقر وغنم، وقيل المنفي في الأولين معلوفة النعم ولم يرجح الأصل منهما شيئا، بل قال وهل المنفي غير سائمتها أو غير مطلق السوائم؟ قولان. فالترجيح في المنفي في الأوّلين مع ذكره في الثالث من زيادتي، وقد بينت ما في الثالث وما ذكرته من الجمع بين الأوّلين كالأصل هنا أولى من فرقه في منع الموانع بينهما بأن الخلاف خاص بأولهما، وبأن المنفي في الثاني سائمة غير الغنم لا غير السائمة بناء على أن الصفة فيه لفظ الغنم على وزان: «مطل الغني ظلم».
(ومنها) أي من الصفة بالمعنى السابق (العلة) نحو أعط السائل لحاجته أي المحتاج دون غيره. (والظرف) زمانا أو مكانا نحو سافر غدا أي لا في غيره، واجلس أمام فلان أي لا في غيره من بقية جهائه. (والحال) نحو أحسن إلى العبد مطيعا أي لا عاصيا. (والشرط) نحو: {وإن كنّ أولات حمل فأنفقوا عليهنّ} أي فغيرهنّ لا يجب الإنفاق عليهنّ. (وكذا الغاية) في الأصح نحو: {فإن طلقها فلا تحلّ له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} أي فإذا نكحته تحل للأول بشرطه، وقيل الغاية منطوق أي بالإشارة لتبادره إلى الأذهان، وأجاب الأول بأنه لا يلزم من ذلك أن يكون منطوقا. (وتقديم المعمول) بقيد زدته بقولي (غالبا) في الأصح نحو: {إياك نعبد} أي لا غيرك، وقيل لا يفيد الحصر، وإنما أفاده في: {إياك نعبد} للقرينة، وهي العلم بأن قائليه أي المؤمنين لا يعبدون غير ذلك. (والعدد) في الأصح نحو: {فاجلدوهم ثمانين جلدة} أي لا أكثر ولا أقل، وهذا ما نقله الشيخ أبو حامد وغيره عن الشافعي وإمام الحرمين عنه وعن الجمهور، وقيل ليس منها. وعزاه النووي إلى جماهير الأصوليين، لكن تعقبه ابن الرفعة وتعجب منه مع أن ما نقله معارض بما مر عن الإمام.
(ويفيد الحصر إنما بالكسر في الأصح) لاشتمالها على نفي واستثناء تقديرا نحو: {إنما إلهكم الله} أي لا غيره والإله المعبود بحق ونحو إنما زيد قائم أي لا قاعد مثلًا، وقيل ليست للحصر لأنها إنّ المؤكدة وما الزائدة الكافة فلا نفي فيها، وقيل للحصر منطوقا أي بالإشارة أما أنما بالفتح نحو: {اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة} الآية فليست لحصر بناء على بقاء أن فيها على مصدريتها مع كفها بما، والمعنى اعلموا حقارة الدنيا فلا تؤثروها على الآخرة الجليلة، فبقاء أن في الآية على المصدرية كاف في حصول المقصود بها من تحقير الدنيا، وقيل للحصر كأصلها إنما بالكسر، والمراد أن الدنيا ليست إلا هذه الأمور المحقرات أي لا القرب فإنها من أمور الآخرة لظهور ثمرتها فيها بقولي من زيادتي في الأصح راجع إلى المسائل الأربع (و) نحو (ضمير الفصل) نحو فالله هو الوليّ أي فغيره ليس بوليّ أي ناصر. (و) نحو (لا وإلا الاستثنائية) نحو لا عالم إلا زيد، وما قام إلا زيد منطوقهما نفي العلم والقيام عن غير زيد ومفهومهما إثبات العلم، والقيام لزيد، ومما يفيد الحصر نحو العالم زيد وصديقي زيد، وذلك مفاد من زيادتي نحو وقد يفاد أيضا من قولي كالأصل، ومنها ورتبته قبل الشرط. (وهو) أي الأخير وهو نحو لا وإلا الاستثنائية (أعلاها) أي أنواع مفهوم المخالفة إذ قيل إنه منطوق أي صراحة لسرعة تبادره إلى الأذهان، وبه يعلم أن في كون هذا من الصفة خلافا أيضا. (فما قيل) فيه إنه (منطوق) أي إشارة كنعت وحال وظرف وعلة مناسبات (كالغاية وإنما) والعدد (فالشرط) إذ لم يقل أحد إنه منطوق. (فصفة أخرى مناسبة) للحكم لأن بعض القائلين بالشرط خالف في الصفة. (و) صفة (غير مناسبة) كالمذكورات الغير المناسبة فهو سواء. (فالعدد) لإنكار كثير له دون ما قبله كما. (فتقديم المعمول) آخر المفاهيم لأنه لا يفيد الحصر في كل صورة كما مرّ. (والمفاهيم) المخالفة (حجة لغة في الأصح)، لقول كثير من أئمة اللغة بها، فقال جمع منهم في خبر: «مطل الغنيّ» المسكوت «ظلم» إنه يدل على أن مطل غير الغني ليس بظلم وهم إنما يقولون في مثل ذلك ما يعرفونه من لسان العرب، وقيل حجة شرعا لمعرفة ذلك من موارد كلام الشارع، وقيل حجة معنى وهو أنه لو لم ينف المذكور الحكم عن المسكوت لم يكن لذكره فائدة، وأنكر بعضهم مفاهيم المخالفة كلها مطلقا، وإن قال في المسكوت بخلاف حكم المنطوق فلأمر آخر كما في انتفاء الزكاة عن المعلوفة قال الأصل عدم الزكاة وردت في السائمة فبقيت المعلوفة على الأصل، وأنكرها بعضهم في الخبر نحو في الشام الغنم السائمة، فلا ينفي المعلوفة عنها لأن الخبر له خارجي يجوز الإخبار ببعضه فلا يتعين القيد فيه للنفي بخلاف الإنشاء نحو زكوا عن الغنم السائمة، وما في معناه مما مرّ فلا خارجي له فلا فائدة للقيد فيه إلا النفي، وأنكرها بعضهم في غير الشرع من كلام المؤلفين والواقفين لغلبة الذهول عليهم بخلافه في الشرع من كلام الله تعالى ورسوله. واعتمده السبكي والبرماوي قال وهو ظاهر المذهب وأنكر بعضهم صفة لا تناسب الحكم، كأن يقول الشارع في الغنم العفر الزكاة فهي كاللقب بخلاف المناسبة كالسوم لخفة مؤنة السائمة فهي كالعلة، وظاهر أن محل العمل بمفهومات المذكورات إذا لم يعارضه معارض أقوى وإلا قدم الأقوى كخبري: «إنما الربا في النسيئة»، و«إنما الولاء لمن أعتق» فإنهما معارضان بالإجماع، أما مفهوم الموافقة فاتفقوا على حجيته وإن اختلفوا في طريق الدلالة عليه كما مرّ. (وليس منها) أي من المفاهيم المخالفة (اللقب) علما كان أو اسم جنس أو اسم جمع (في الأصح) كما قال به جماهير الأصوليين، وقيل منها نحو على زيد حج، أي لا على غيره، إذ لا فائدة لذكره إلا نفي الحكم عن غيره. وأجيب بأن نفي الحكم عن غيره إنما كان للقرينة وبأن فائدة ذكره استقامة الكلام، إذ بإسقاطه تختل الصفة.